Monday, January 23, 2012

هل تخلي الإخوان المسلمون عن العنف ؟

فى سنة 1928 اسس حسن البنا (1906 - 1949) جماعة الإخوان المسلمين . ويظن مؤرخون متخصصون فى دراسة ظروف نشأة هذه الجماعة أن السفارة البريطانية وكذا السفارة الفرنسية فى مصر كانتا داعمين (ماليا) للجماعة عند نشأتها ، لأنها كانت تقدم بديلا للحركة الوطنية (العلمانية) التى كان حزب "الوفد" (وعدد كبير من قياداته كانوا من المسيحيين المصريين) يتزعمها ... كما يوجد ما يشبه اليقين ان الدولة السعودية الثالثة (1902- للآن) ساعدت على إنشاء حركة الإخوان المسلمين عن طريق وسيط بين سلطان نجد وملك الحجاز وقتها (عبدالعزيز المعروف فى المراجع الغربية بإبن سعود) وبين حسن البنا ، وهذا الوسيط هو السوري محمد رشيد رضا ، أكثر تلاميذ الإمام محمد عبده محافظة وتشددا وقربا من فقه إبن تيمية. وخلال السنوات العشرين (1928 - 1948) تحولت الجماعة تدريجيا من حركة دعوية دينية إجتماعية الى حركة سياسية . وفى سنة 1948 ، قام رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي (بسبب الإغتيالات التى قامت بها الجماعة) بحل جماعة الإخوان المسلمين . ومنذ 1948 وحتى سقوط الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك فى فبراير 2011 ، كانت جماعة الإخوان المسلمين محظورة قانونيا ، وتعرض كثيرون من قادتها وأعضاءها للسجن والتعذيب . ولأعضاء منها (أو لأعضاء بجماعات تفرعت عن جماعة الإخوان المسلمين) وجهت الإتهامات بإغتيال العديد من الشخصيات المعارضة لفكر الجماعة ومن هؤلاء النقراشي رئيس الوزراء الذى أغتيل فى ديسمبر 1948 ، وأنور السادات الذى أغتيل فى سبتمبر 1981 . كما أن الجماعة إتهمت بالقيام بمحاولة فاشلة لإغتيال الزعيم المصري الأشهر جمال عبدالناصر فى خريف 1954 .... كما قام أعضاء من تنظيم إنبثق عن الجماعة بإغتيال رئيس البرلمان المصري فى 1990 وحاول آخرون (من تنظيمات إنبثقت عن الإخوان) إغتيال حسني مبارك فى أديس أبابا (إثيوبيا) فى يونيو 1995 . واليوم ، وبعد رفع الحظر عن جماعة الإخوان المسلمين ، وبعد حصولها على أكبر عدد من مقاعد البرلمان المصري الجديد والذى إستهل أول جلساته يوم 23 يناير/كانون الثاني 2012 بإختيار الإخواني الكتاتني رئيسا للبرلمان ، فإن السؤال القديم/الجديد يبقي يتردد ، وهو : هل العنف جزء أصيل من نسيج حركة الإخوان المسلمين ، أم أنهم - كما يكررون - قد نبذوا إستعمال العنف ضد خصومهم ومخالفيهم فى الرأي ؟

=======================

في الجزء الثالث من كتاِبه (في أعقاب الثورة المصرية – ثورة 1919) وتحت عنوان ( موجة القتل والارهاب) كتب المؤرخُ المصري الشهير عبد الرحمن الرافعي : ( ومما زاد في تفاقم القتل والإجرام أَن العنصَر الإرهابي من جماعةِ "الاخوان المسلمين" اعتنقها وعدّها وسيلةً لقلبِ نظامِ الحكم في البلاد. إن العنصرَ الارهابي في هذه الجماعةِ كان يرمي من غير شك إلى أن يؤول إليها – أي للجماعة الحكم ...) (أما تطلع الإخوان المسلمين إلي الحكم ، فأمر لا ريب فيه ، وقد بدا من تصريحات الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين أنه واصل إلي الحكم يوما ما).

ولكن الموضوعيةَ تحتّم انصاف حسن البنا وبكلمات نفس المؤرخ : ( كان يريد كما يبدو من ظاهر أقواله انقلاباً في الحكم ، لا عن طريق القتل والارهاب ، بل عن طريق انضمام غالبية الشعب لدعوته . ولكن الارهابيين من أنصاره لم يرتضوا الطريق الدستوري ، واندفعوا الى وسائل القتل والارهاب ، ومن هنا جاءتُ حملات بعض الاخوان المسلمين وقتاً ما على النظم الدستورية). (انتهت كلمات عبد الرحمن الرافعي).ولاشك أن تاريخَ الاخوان بقى مشخصاً لما كتبه عنهم عبد الرحمن الرافعي. فهناك البعض (مثلهم مثل الاستاذ البنا) يطمح للوصول للحكم عن طريق انضمام غالبية الشعب إلى دعوتهم . وهؤلاء ، لايمكن ان يكونوا إلاَّ جزءاً من الصورة المصرية المشروعة أو فسيفيساء (موزاييك) الصورة السياسية المصرية . وحتى الذين يخالفون الاخوان في رؤيتهم وافكارهم ، فانهم لا يحق لهم اعتبار الاخوان (الذين يطمحون للوصول للحكم عن طريق انضمام غالبية الشعب لهم ) إلاَّ ضمن "لاعبي المباراة الديموقراطية المشروعة ".

أما الاخوان الذين وصفهم الأستاذُ الرافعي بقوله أنهم كانوا ( يرمون من غير شك إلى أن يؤول اليهم الحكم ، ولعلهم استبطأوا اعداد الرأي العام لتحقيق هذه الغاية عن طريق الانتخابات ، فرأوا أن "القوة" هي السبيل إلى ادراك غايتهم) ، فإنهم ليسوا برجال سياسة وانما هم ( كما وصفهم الاستاذ الرافعي) "ارهابيون".

ولاشك ان من هؤلاء الاخوان الذين كانوا يتوخون الوصول لحكم مصر لا طريق الانتخابات ( كما كان يطمح الاستاذ البنا ) وانما عن طريق "القوة" ، أولئك الذين قتلوا رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي ( 1948) وقتلوا المستشار الخازندار (1948) واللواء سليم زكي(1948) والذين اطلقوا النار على جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية (1954) وأولئك الذين قتلوا وزير الاوقاف المصري الدكتور الذهبي (1977) واولئك الذين إغتالوا الرئيس انور السادات (1981) وأولئك الذين إغتالوا رئيس مجلس الشعب المصري د. رفعت المحجوب (1990) والذين قتلوا المفكر المصري فرج فودة (1992) والذين شرعوا في قتل اديب مصر الكبير نجيب محفوظ (1993) ... لا شك ان هؤلاء (القتلة) هم من المجموعة الاخرى (من الاخوان المسلمين) الذين قال عنهم الاستاذ عبد الرحمن الرافعي انهم كانو على خلاف الاستاذ البنا لا يفضلون وصول الاخوان المسلمين للحكم عن طريق إستمالة أغلبية الشعب المصري إلى جانبهم ، وانما عن طريق القوة ( أي القتل و الترويع وإطلاق الرصاص والاغتيالات والتفجيرات). لا شك اذن ان بداخل الاخوان المسلمين تيار يشبه الاستاذ البنا في طموحه لحكم مصر عن طريق انجذاب غالبية الشعب المصري لدعوتهم ، وتيار آخر يرى ان الوصول لحكم مصر انما يكون عن طريق القوة ( السلاح).

ومنذ اغتيال اخواني لرئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي وحتى محاولة اغتيال رئيس مصر في أديس أبابا ( باثيوبيا) في 1995 ؛ لايوجد اي دليل على أن التيار الأول ( المماثل للاستاذ البنا في توخيه الوصول للحكم عن طريق استمالة أغلبية الشعب المصري لدعوة الاخوان) قد اصبح هو "التيار الوحيد" داخل "الاخوان المسلمين" .

وآمل الا يقول لي مجادلُ أنني أخلط "الاخوان" بتيارات اخرى مثل "الجماعة الاسلامية" و"الجهاد" و"الجماعات التكفيرية" ، فأنا وكل معنى بدراسة الاسلام السياسي في مصر يعرف ان "مطبخ الاخوان المسلمين" هو مصدَرُ كل تيارات الاسلام السياسي الاخرى . وأن أدبيات الاخوان المسلمين (سواءاً اكانت ادبيات مسالمة كأدبيات الاستاذ البنا أو ادبيات عنيفة ومسلحة كأدبيات الاستاذ سيد قطب) هي مرجعيات كل تيارات الاسلام السياسي المصري ؛ بل انها مرجعيات معظم تيارات الاسلام السياسي في العالم . فأدبيات التيار الوهابي "ساذجة" ويعوزها "العمق" ولا تتحرك الاَّ بقوة دفع "البترو-دولار) ولا ترقى لمستوى ادبيات أساتذة مثل حسن البنا أو سيد قطب ( والذي هو أعمق بكثير من الرجل الذي ألهمه أي من أبي الأعلى المودودي). واذا كان كاتبُ هذه السطور يستنكف ويستهجن ويرفض كل اجراء غير قانوني اتخذته السلطات في مصر ( منذ 1948 وحتى هذه اللحظة ) ضد الاخوان المسلمين . فانه ( في نفس الوقت) من حقه أن يتساءل : (اين الدليل على ان تيار الاستاذ حسن البنا والذي يتوخى وصول الاخوان للحكم عن طريق جذب أغلبية المصريين لدعوتهم هو (اليوم) التيار الوحيد داخل تنظيم الاخوان المسلمين؟ واين الدليل على ان التيار الآخر ( تيار القوة والعنف والقتل والرصاص والتفجيرات ) قد "تلاشى وتبخر واختفى" ؟ واين الدليل على ان وصول التيار السلمي ( داخل الاخوان المسلمين ) للحكم ، لن يتبعه استيلاء التيار الآخر ( غير السلمي ) على عجلة قيادة المجتمع ورفضه ( مثل حركة حماس في غزة ) التخلي عن عجلة القيادة ، بحجة انهم المنوط بهم تطبيق شرع الله.

No comments:

Post a Comment