قلت لمجلة ألمانية أجريت معي حوارا صحفيا منذ أيام أن الوضع السياسي الراهن فى مصر وإن كان محزنا ومشبعا بمناخ ماضوي لا علاقة له بالتقدم والتحضر والحداثة ، إلا أنه "وضع طبيعي" ، فهذه الحالة الراهنة تعكس واقعنا الثقافي والفكري والتعليمي . فالحكام الجدد هم أقرب للمتوسط العام للمصريين المعاصريين ، من شخص مثل محمد البرادعي . وهذا الواقع (الثقافي والفكري والتعليمي) هو ما أملي علي منذ فبراير 2011 الإكتفاء ب
دور المفكر الذى يحاول التأثير فى الناس ، دون الإنغماس فى العمل السياسي . ولنكن صرحاء ، فحتي حسني مبارك بجهله وسطحيته لم يكن أدني من المتوسط الثقافي والفكري والتعليمي للشعب المصري . لقد انهار التعليم فى مصر خلال السنوات الستين الماضية وانهارت معه المستويات الثقافية والفكرية وانهار الذوق العام وتسللت لعقول المصريين ثقافة دينية مغرقة فى التأخر والتعصب والظلامية ... وبالتالي ، فليس من الغريب او العجيب ان يكون الخطاب السياسي والخطاب الديني ومستوي الحوار بمثل التدني والإنهيار الحاليين . ورغم سوداوية الحالة وصعوبة مواجهة ظلمات مناخ مصر الثقافي وحالتها الفكرية المعاصرة، فإنني أعرف شيئا واحدا ، هو أن عليً وعلي أمثالي (وهم غير قليلين) ان نواصل جهود التنوير والتأثير فى الناس ، حتى لو بدت فائدة ذلك محدودة ، فمن مجمل التغييرات الكمية تحدث التغييرات الكيفية او النوعية . وعلينا أن نحارب اليأس وألا نتوقف عن محاولة التأثير فى أي عدد (ولو قليل) من الناس بهدف إقناعهم ان الدين شأن شخصي ، أما تطوير مجتمعنا فلا يمكن ان يتحقق إلا بأداتين لا ثالث لهما : (1) العلم الحديث ، و (2) تقنيات علوم الإدارة الحدبثة وتنمية الموارد البشرية. وان نحاول اقناع من حولنا بأنه لا دين ولا هوية للعلم ولتقنيات الإدارة وعلوم الموارد البشرية الحديثة .... وعندما سألني الصحفي الألماني الذى أجري الحوار معي : ومن أين تجيء بهذه الجرعة من الإيجابية والأمل ؟ قلت : من مسيرة حياتي ! فنظرا لأنني صنعت مسيرة حياتي بيدي وبإرادتي ، فإنني كنت ولا أزال أؤمن بقدرة أي إنسان على تحقيق المراد وبلوغ الغايات ، بشرط توفر إرادة حديدية وعزم صخري وقدرة على التعلم.
No comments:
Post a Comment