عندما
تطورت المجتمعات التى هى اليوم الأكثر تقدما ، فإنها قامت بتقليم أظافر
رجال الدين والمؤسسات الدينية المسيحية (دين أغلبية شعوب هذه المجتمعات)
... وتم رسم الحدود بوضوح تام بين ما يحق لرجال الدين تنظيمه ، وبين ما
يترك للعلم الوضعي لإدارته. وقد إقتضي
حدوث ذلك صراع مرير بيت رجال ومؤسسات الدين وبين قادة الفكر . ولولا ظهور
رجل مثل مارتن لوثر وما أحدثه من هزة لقواعد سلطان رجال الدين لما كانت تلك
المجتمعات قد تمكنت من الخروج من الدائرة المغلقة لسلطان المؤسسات الدينية
. وكما يحلو لي أن لأصف ما حدث باللهجة المصرية ، فإن رجال الدين
والمؤسسات الدينية بعدما أعطوا "العقل العلمي" أكثر من ضربة موجعة "أي علقة
بالمصري و قتلة بالسوري) ، فإن التقدم العلمي والفكري مكن (بفتح الميم
وتسكين الكاف) من أن يعطوا هم رجال الدين والمؤسسات الدينية "علقة تاريخية"
، فأصبحوا ملتزمين بأن مجال نفوذهم هو الجانب الروحي ، أما إدارة المجتمع
فإنها ليست مجالهم . وعندما رأي رجال الدين اليهود الذين كانوا يعيشون فى
المجتمعات الغربية "الضربة " أو "العلقة" أو "القتلة" التى نالها رجال
الدين المسيحي والمؤسسات الدينية المسيحية ، تعلموا الدرس ، فصاروا يقصرون
نفوذهم - اساسا- على يوم "السبت" ... أما بقية أيام الأسبوع فيعيشها اليهود
فى ظل نظام المجتمع المدني ... وأنا على ثقة أن المجتمعات الإسلامية
ستشهد مارتن لوثر الإسلام (وربما أكثر من مارتن لوثر) ، وأن صراعا مريرا
سيستمر لسنوات (بالأحري لعقود) قبل أن نصل للحالة الصحية والتى تسمح
بإنطلاق وإبداع العقل الإنساني ، وهى الحالة التى بدونها لا يمكن حدوث
التقدم واللحاق بمسيرة التقدم الإنسانية ... فثقافة الطاعة والتقليد
والإتباع التى يروج لها كثير من الإسلاميين بوجه عام والحنابلة وأتباع إبن
تيمية وإبن قيم الجوزية والدعوة الوهابية لا يمكن أن تفرز العقل صانع
التقدم ... والدليل الأوضح هو حالتنا الراهنة : فحتي أغني المجتمعات
الإسلامية تعيش عالة على تجليات العقل الغربي الذى حرر نفسه منذ أكثر من
أربعة قرون من ربقة عبودية العقل الإنساني للسلف والتقليد والإتباع والطاعة
مارتن لوثر أنتج كنيسة بدون إعتراف ، فالمسيحي (عند مارتن لوثر) لا يذهب للإعتراف بذنوبه لرجل دين ... كما أن مارتن لوثر أقام كنيسة بدون هرم سلطوي داخل الكنيسة (فلا يوجد بابا ومطارنة وأساقفة وقمامصة - ولكن الكل مجرد قساوسة) ... كذلك فقد حصر مارتن لوثر ومن بعده كافن مكانة السيدة العذراء فى كونها والدة المسيح (الناسوت - وليس اللاهوت) وألغي كثير من مظاهر الكنيسة (فأصبحت الكنائس البروتستينية شبه خالية من التماثيل واللوحات) ... هذه إجابة مختصرة ... ومن يريد إجابة أكثر تعمقا ، فسيسعدنى أن أوافيه ببعض محاضراتي فى اللاهوت المقارن (الأرثوذوكسي والكاثوليكي والبروتستنتي) ... أما تشبيه إيمان معظم المسلمين بأن الإسلام "دين ودولة" إنما يعادل إيمان المسيحي بعقيدة الفداء ، ففيه مبالغة . ويكفى أن نتذكر أن مجتمعات مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق كانت شعوبها خلال النصف الأول من القرن العشرين غير معنية بموضوع أن الإسلام دين ودولة ... ومع ذلك ، فإن التدمير الفكري والثقافي والتعليمي الذى إستمر خلال نصف القرن الأخير جعل مهمة التوعية أمرا صعبا جدا .... طارق حجي
ReplyDeleteالأفكار الأساس عند الإخوان (الحاكمية + الخلافة + تطبيق الشريعة) لم يطرأ عليها أي تطور ... وبعض الكلام المعسول الحالي هو "كلام تكتيكي" ، أما الركائز فلم يطرأ عليها أي تطور حقيقي منذ تأسست جماعة الإخوان المسلمين فى مدينة الإسماعيلية سنة 1928
ReplyDeleteجوهر كلمتي هو النضال الغربي/المسيحي للتحرر من ربقة رجال الدين وتحكمهم فى المجتمع. وليس المحور هو مسائل اللاهوت ، فليس هذا مجال تناولها ... وإنما مجالها أروقة البحث العلمي.
ReplyDelete